تسييف .. قطار .. جاثيا .. واقفا .. مشبوحا .. معلقا .. فروج .. هكذا ننام …
في المعتقلات الأسدية كانت الاعداد كبيرة جدا في الافرع الأمنية لدرجة أن غرفة بحجم غرفة فندق مفردة يوضع فيها ما يقارب مئة إلى مئة وخمسين معتقلا …
يتناوب المعتقلون نهارا بين الوقوف والجلوس ولكن ليلا تحصل المشكلة وفي الغالب كان تحصل شجارات وخلافات على المكان بل اقتتال بالأيدي احيانا وخاصة في #المنفردات التي يحشر فيها حتى العشرين احيانا وهي مترين مربع تمام
ولتجنب ذلك ابتكر المعتقلون طرقا لتنظيم النوم منها #التسييف ….
يستلقي اول معتقل وظهره للحائط ثم يتستلقي الثاني بعكسه وظهره الاول وهكذا يتعاكس المعتقلون بالأقدام والرإس حتى يمتلى المكان من الحائط للحائط …
وهنا يقوم الشاويش رئيس الغرفة واقدمها بوضع ظهره للحائط وكبس الصف بقدميه بأقصى قوته حتى لا يبقى أي فراغ بين المعتقلين وينزل اثنين أو ثلاثة في الفراغ الذي نشأ من ضغط أجساد الصف ويكرر الأمر حتى يتعذر أي ضغط ..
ويكون هذا نصيب القدماء في البداية وأما اخر من دخل فقد يبقى واقفا على قدمية لايام بل وتوكل به مهمة التهوية بقميص حتى يتحرك الهواء ويستطيع الناس النوم ….
فإن قام أحدهم في الليل لاي سبب لن يتمكن من العودة لمكانه …
وكل ذلك يترافق مع الام العظام التي تحتك بالبلاط مباشرة بعد أن ذاب اللحم نتيجة الجوع وسوء التغذية وحتى احتكاك عظام المعتقلين ببعض له الم اخر ..
وكان التسييف رفاهية لأن الأجساد تدفئ بعضها البعض وبعد فترة يدفئ البلاط قليلا ….
وعند ازدياد الاعداد تم اختراع #القطار ..
وهو أن يجلس المعتقل ظهره للحائط ويفتح رجليه ليجلس داخلها اخر ثم ثالث فإذا اكتمل الفراغ بين الحائطين كبس الشاويش برجليه القطار ليتسع لاثنين أو ثلاثة آخرون ولا يمكن لمن يترك مكانه العودة الا عند إعادة تنظيم القطار مرة أخرى ….
وكان الام احتكاك الارداف بالأرض لا يمكن وصفها فلا يبقى للمعتقل أي شحم يقيه الم الجلوس فيحتك عظمه بالأرض في الم مستمر وتتداخل عظام المعتقلين بعضها ببعض في الم يهدأ ويتخدر بعد فترة ….
وكثيرا ما يعاقب السجان بعض مو يصدروا أصواتا فيخرجهم إلى ممرات الفرع ويبقيهم #جاثيا طيلة الليل على ركبهم مما قد يسبب تقرحات أو تفتح ركبهم وانتفاخها وقد يبقى ساعات الليل كلها جاثيا …
واحيانا #واقفا إن تذكر السجان أنه إنسان بعض الشيء ….
والمعتقلين الذين يريدون منهم اعترافات ما يتم #شبحهم يبقونهم معلقين من أيديهم بكلبشات معدنية مرفوعة أقدامهم عن الأرض مقدار شبر واحد ليبقى يتحسس الأرض بأطراف أصابعه ولا يمكن تصور الم معصم اليدين وقد تركز عليه ثقل الجسم كله
واحيانا تكون الأيدي إلى الخلف ويعلق منها فهنا الم الايدي مع الاكتاف التي لا يمكن تصوره ولا الشعور به
وقد يتطور الأمر إلى #التعليق من القدمين والراس للاسفل
أو قد يضم اليدين مع القدمين للخلف بما كانوا يسمونها وضعية #الفروج وأكاد تكون اقسى وضعية اعتقال وقد كان يترك لساعات واحيانا ايام ويركل رأس المعتقلين فيدور وتضيق السلسة على القدم ….
كل هذه طرق كان ينام فيها المعتقلون في زنزاناتهم وليس عليهم أي ملابس الا قطعة واحدة حول عوراتهم وفي بعض الأماكن كانوا عراة تماما
وكل تلك الحالات قد يبقى البعض لاشهر وقد يفارق الحياة بسببها …
فإن نجى …
وحتى اليوم يستيقظ آلاف منا على الم بنقطة معينة وكأن جسدهم ما زال هناك وروحهم عالقة في الم تلك اللحظات التي تمر كالقرون ….
وحتى اليوم
في كل ليلة عندما يستلقي المعتقل في فراشه
فيمد قدميه على طولها يشعر بنعم وراحة لا يمكن وصفها
في كل يوم يتحسس جسم المعتقلين فراشهم الطري فيحمدون الله على نعمة الاسفنج …
مع كل نسمة هواء يستشعر المعتقلون اليوم أثرها وكأنها انسام من الجنة ….
فإذا نمت وان لم تختبر كل ذلك فاحمد الله…
وان نمت وانت تستشعر كل ذلك بعدما اختبرته فاحمد الله مرتين ..
ولا يشعر بقيمة النصر الا من دفع الثمن ..محمد سليم كسم
إرسال التعليق