سقوط بشار الأسد وضربة قاصمة لنفوذ طهران في سوريا
يشكل احتمال سقوط نظام بشار الأسد في سوريا منعطفًا استراتيجيًا خطيرًا للنظام الإيراني الذي استثمر منذ أكثر من عقد من الزمن مليارات الدولارات وآلاف المقاتلين للحفاظ على حكم حليفه في دمشق. فالنظام القائم على ولاية الفقيه اعتبر بقاء الأسد ضمانة أساسية لتمدد نفوذه في المشرق العربي ولتأمين الجسر البري الممتد من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق. غير أنّ التطورات الأخيرة باتت تشير إلى أنّ هذه الاستراتيجية وصلت إلى حافة الانهيار، بما يهدد أركان النظام الإيراني نفسه.
منذ اندلاع الثورة السورية عام ٢٠١١، ضخّت طهران أموالًا طائلة، وقدّمت دعمًا عسكريًا مباشرًا عبر الحرس الثوري والميليشيات التابعة له، كما استجلبت مقاتلين من العراق ولبنان وأفغانستان. الهدف المعلن كان حماية “محور المقاومة”، لكن الهدف الحقيقي كان تثبيت مشروع الهيمنة الإقليمي للنظام. ورغم هذا الاستثمار الضخم، فإنّ احتمالات سقوط الأسد اليوم تكشف فشلًا استراتيجيًا كبيرًا للنظام الإيراني.
صحف إيرانية مقربة من مراكز صنع القرار باتت تعترف بصراحة أنّ سوريا تحولت إلى “مستنقع” يستنزف قدرات النظام الاقتصادية والعسكرية. فمع الأزمة الداخلية الخانقة، والانهيار الاقتصادي، وتزايد الاحتجاجات الشعبية، أصبح الرأي العام الإيراني يعتبر أنّ الأموال التي تُهدر في سوريا تأتي على حساب معيشته اليومية. ولهذا السبب، فإنّ سقوط الأسد لن يكون مجرد خسارة جيوسياسية، بل سيكون أيضًا ضربة نفسية داخلية تزيد من هشاشة النظام أمام شعبه الغاضب.
إقليميًا، سقوط الأسد يعني ضياع أهم قاعدة متقدمة للنظام الإيراني. فدمشق كانت بمثابة القلب الاستراتيجي لمشروع الهلال الشيعي. خسارة هذه القاعدة ستضعف القدرة على دعم حزب الله في لبنان، وتقطع خطوط الإمداد البرية، وتقلل من فاعلية طهران في معادلات المنطقة. كما سيعني ذلك تقليص نفوذها في الملف الفلسطيني، حيث كانت سوريا دائمًا منصة لوجستية وسياسية.
على المستوى الدولي، سيتعزز الاتجاه نحو محاصرة النظام الإيراني عبر العقوبات والآليات الأممية، مثل “آلية الزناد” التي حذرت تقارير غربية من تفعيلها قريبًا. وهذا يتقاطع مع التصعيد الغربي تجاه البرنامج النووي الإيراني، ومع ازدياد الدعوات لوضع الحرس الثوري على لائحة الإرهاب.
في مواجهة هذا المشهد، لا يملك النظام الإيراني سوى المزيد من القمع الداخلي. فالتاريخ يثبت أنّه كلما خسر أوراقًا في الخارج، زاد من شدة البطش في الداخل. بالفعل، شهدت الأشهر الماضية تصاعدًا غير مسبوق في الإعدامات، وصلت في بعض الأشهر إلى أكثر من ١٧٠ حالة، ما يعكس خوفًا عميقًا من انفجار شعبي واسع.
ومع ذلك، فإنّ الحل لن يأتي عبر المساومات الدولية أو عبر محاولة إنقاذ نظام فقد شرعيته. إنّ البديل الحقيقي يقدمه الشعب الإيراني عبر مقاومته المنظمة والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الذي يطرح مشروعًا ديمقراطيًا بديلاً. وكما عبّرت السيدة مريم رجوي، فإنّ “الخيار الثالث” هو التغيير على يد الشعب وليس الحرب أو الاسترضاء.
وفي هذا السياق، يكتسب التحرك الذي يجري الإعداد له في نيويورك أهمية مضاعفة. ففي ٢٣ و٢٤ سبتمبر، سيجتمع آلاف الإيرانيين من مختلف الولايات الأمريكية أمام مقر الأمم المتحدة للتنديد بوجود رئيس النظام في الجمعية العامة، وللمطالبة بدعم حق الشعب الإيراني في التغيير. هذا الحشد الواسع يعكس أنّ سقوط الأسد ليس سوى بداية مرحلة جديدة من التراجع للنظام، وأنّ التغيير قادم من الداخل مدعومًا بوعي عالمي متزايد.
إرسال التعليق