لبنان يتحرّك لكبح نفوذ حزب الله في ظل تراجع الدعم الإيراني
الحكومة اللبنانية تبدأ حملة غير مسبوقة بتفكيك شبكات التهريب في مطار بيروت وتعليق الرحلات مع إيران
في تحوّل لافت في المشهد اللبناني، باشرت الحكومة الجديدة خطوات ملموسة للحدّ من سيطرة حزب الله على مفاصل الدولة، مستغلةً تراجع الدعم الإيراني في ظلّ أزماته الاقتصادية المتفاقمة. وتعدّ هذه الإجراءات الأوسع من نوعها منذ سنوات، وتشير إلى بداية مرحلة جديدة من المواجهة الداخلية مع نفوذ الحزب المسلح.
وأطلقت الحكومة اللبنانية الجديدة حملة غير مسبوقة تهدف إلى تقليص نفوذ حزب الله المتجذّر منذ سنوات، وبدأت هذه الحملة بإجراءات استراتيجية في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، الذي يُعدّ منذ زمن بعيد مركزًا رئيسيًا لعمليات التهريب المرتبطة بالحزب.
ويقع المطار في منطقة خاضعة لهيمنة حزب الله، وكان لسنوات طويلة نقطة عبور أساسية للبضائع والأموال والأسلحة القادمة من النظام الإيراني، الممول والداعم الأول للحزب. فقد وفّر النظام الإيراني لحزب الله دعمًا ماليًا وعسكريًا ولوجستيًا على مدى عقود، مما مكنه من التغلغل سياسيًا وعسكريًا في مختلف مفاصل الدولة اللبنانية.
وبحسب تقرير صحيفة وول ستريت جورنال بتاريخ 11 مايو، تم مؤخرًا فصل العشرات من موظفي المطار الذين تربطهم علاقات علنية بحزب الله. كما كثّفت القوى الأمنية اللبنانية تنفيذ القوانين ضد التهريب، وبدأت بتطبيق أنظمة مراقبة متقدمة مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، في إطار مسعى أوسع لتفكيك البنية الاقتصادية للحزب.
وكان من أبرز النجاحات الأخيرة اعتراض شحنة تتضمن أكثر من 50 كيلوغرامًا من الذهب في المطار، يُشتبه في أنها كانت مخصصة لتمويل أنشطة الحزب العسكرية والاجتماعية. وتقول السلطات إن هذه العملية وجهت ضربة قوية إلى أحد خطوط التمويل الحيوية للحزب.
ومن الإجراءات اللافتة كذلك، قرار الحكومة اللبنانية تعليق الرحلات الجوية المباشرة من إيران منذ شهر فبراير الماضي، بعدما كانت هذه الرحلات تشكّل مسارًا غير معلن لنقل الأموال والمعدات العسكرية إلى حزب الله دون تدقيق رسمي. ويُعتبر هذا القرار ضربة قاسية لقدرات الحزب العملياتية، وتحديًا نادرًا لشبكة الدعم اللوجستي التابعة لطهران في المنطقة.
وتأتي هذه الخطوات في وقت يعاني فيه حزب الله من ضغوط مالية متزايدة، نتيجة لتقلّص الدعم الإيراني في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر بها النظام الإيراني، وتغير أولوياته الإقليمية. كما أن تراجع نفوذ حليف طهران، نظام بشار الأسد في سوريا، أدى إلى تعطيل مسارات إمداد حيوية كانت تُستخدم لتسليح الحزب.
وقد أكّد رئيس الحكومة اللبنانية، نواف سلام، في مقابلة مع وول ستريت جورنال، أن الدولة استعادت السيطرة على مطار بيروت للمرة الأولى منذ سنوات. وقال: «بإمكانك أن تشعر بالفرق»، مشيرًا إلى انخفاض معدلات التهريب والفساد.
وفي موازاة هذه الإجراءات، باشرت المؤسسة العسكرية اللبنانية بإغلاق معابر حدودية غير شرعية في الجنوب، والعمل على تفكيك مستودعات أسلحة سرية تابعة لحزب الله.
وتتابع الولايات المتحدة هذه التطورات عن كثب. فقد رحّب المسؤولون الأميركيون بحزم الحكومة اللبنانية، واعتبروا ذلك مؤشرًا على أن الدولة بدأت تستعيد سيادتها على المناطق التي كانت خاضعة لنفوذ حزب الله. في المقابل، تواصل إسرائيل ضرباتها الجوية الدقيقة ضد مواقع الحزب في جنوب لبنان، مما يُسهم في إضعافه بشكل أكبر.
ومع أن هذه الانتكاسات قد قيّدت بعضًا من قدرات حزب الله، فإنه لا يزال متجذرًا في المشهد السياسي اللبناني ويمتلك نفوذًا كبيرًا. إلا أن تراجع الدعم الإيراني يجعله في موقف أكثر هشاشة من أي وقت مضى.
إرسال التعليق