إيران تعيد تحصين مواقع حساسة: صور أقمار صناعية تثير قلقاً نووياً متجدداً
أظهرت صور أقمار صناعية حديثة تركيب هيكلٍ أسطواني ضخم داخل مجمّع «طالقان-2»، أحد المواقع المرتبطة سابقاً بمشروع «آماد» السري لتطوير الأسلحة النووية في إيران، ما أثار موجة جديدة من التساؤلات بشأن طبيعة الأنشطة الجارية في هذا الموقع ذي السجل الحساس.
وبحسب تقرير صادر عن معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن (ISIS)، كشفت صور التقطت بين سبتمبر ونوفمبر 2025 عن جسم أسطواني يبلغ طوله نحو 36 متراً وقطره 12 متراً، تم وضعه داخل هيكل معدني مقوّى يصل طوله إلى 40 متراً وعرضه 17 متراً. وعلى الرغم من أن المعهد لم يجزم بأن هذه البنية تُستخدم في اختبارات مرتبطة مباشرة بالسلاح النووي، إلا أنه وصف التطور بأنه «مثير للقلق» نظراً لتاريخ الموقع ومواصفاته الهندسية.
موقع ذو تاريخ حساس
يقع «طالقان-2» ضمن شبكة مواقع كانت جزءاً من مشروع «آماد»، وهو البرنامج الذي وثّقته الوكالة الدولية للطاقة الذرية باعتباره خطاً سرياً لتطوير الأسلحة النووية. وقبل الغارات الإسرائيلية في نوفمبر 2024، كان الموقع يحتوي على تجهيزات لإنتاج مادة PETN عالية النقاء، وهي مادة متفجرة قوية تُستخدم في مكونات أنظمة التفجير الخاصة بالرؤوس النووية.
كما أفاد التقرير بوجود غرفة اختبار متفجرات أصغر حجماً في الموقع، صممت بأساس خرساني معزّز يسمح بعمليات تصوير بالأشعة السينية لتجارب التفجير الداخلي، وهي تقنية شائعة في أبحاث تصنيع الأسلحة النووية. ولا يبعد الموقع سوى أقل من 200 متر عن منشأة «طالقان-1»، حيث استُخدمت غرفة تفجير أكبر في سياقات مشابهة.
أعمال بدأت قبل الحرب الأخيرة
ويشير التقرير إلى أن أعمال البناء في «طالقان-2» بدأت قبل أشهر من حرب الأيام الاثني عشر، وأن التقدم في الإنشاءات بات واضحاً في الصور الأخيرة. وقد وُضع الهيكل الأسطواني في قلب بناء معدني محمي بجدران صخرية طبيعية ناتجة عن حفر الجبال، وهو تصميم يُستخدم عادة لتوفير احتواء للصدمات الناتجة عن التفجيرات.
كما رُصدت فتحتان معدنيتان مقوّستان على جانبي الغرفة، يُحتمل أن تكونا «مصائد صدم» تستخدم لتوجيه موجات الانفجار أو امتصاصها، إضافة إلى ثلاث فتحات مستطيلة على سقف البنية يُرجح أنها للتهوية أو الوصول الجوي إلى الغرفة الداخلية.
محاولات للإخفاء والتحصين
تُظهر الصور أيضاً مؤشرات محاولة متعمدة لإخفاء المنشأة عن الرصد الجوي، حيث تم تغطية المبنى بغطاء مستطيل داكن حتى مطلع سبتمبر، قبل إزالته ليظهر الهيكل كاملاً. كما لوحظ:
• تراكم كميات كبيرة من التراب فوق المنشأة، في ما يبدو أنه محاولة للدفن الجزئي أو زيادة التدريع.
• إنشاء أساسات خرسانية جديدة حول المبنى لتعزيز ثباته ومقاومته للضربات.
وتعكس هذه الإجراءات مستوى عالياً من التحصين والحذر، ما يعزز الشكوك حول حساسية النشاط الجاري داخل الموقع.
شكوك تتجاوز الإطار التقني
رغم غياب دليل قاطع على الطابع العسكري المباشر للمنشأة الجديدة، إلا أن خبراء يعتبرون أن تداخل ثلاثة عناصر – الموقع، التاريخ، وطبيعة البنية – يفرض قراءة أمنية وسياسية أوسع. فإعادة تأهيل موقع ارتبط سابقاً بتجارب تفجيرية نووية، وبمواصفات هندسية مشابهة لغرف الاختبار المعروفة في برامج التسلّح، تُعد رسالة لا يمكن فصلها عن سياق التوتر الإقليمي ومسار الملف النووي الإيراني.
وفي هذا الإطار، شهد مؤتمر عقده إيرانيون في واشنطن في 15 نوفمبر الماضي نقاشاً حول مؤشرات متزايدة على تشدد النظام في مساراته الاستراتيجية، بما في ذلك إعادة تنشيط مواقع مرتبطة بأنشطة عسكرية حساسة، في ظل تراجع الشفافية وتزايد صعوبة الرقابة الدولية.
تحديات أمام المجتمع الدولي
يرى محللون أن ما يحدث في «طالقان-2» يعكس نموذجاً أوسع لسلوك يعتمد الغموض المدروس، والتحصين المتقدم، والتقليل من فرص التفتيش الفعّال. ومع تصاعد مؤشرات إعادة تفعيل منشآت ذات صلة بتطوير الأسلحة، تواجه الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي تحديات متزايدة في مجال التحقق والمراقبة وضمان الامتثال للاتفاقات النووية.
وفي ظل هذا المشهد، تبقى الأسئلة معلّقة: هل تمثل هذه المنشأة مجرد بنية بحثية «احترازية»، أم حلقة جديدة في سلسلة نشاطات تستعيد ماضياً لم يطمئن العالم يوماً إلى نهايته؟
إرسال التعليق