الإعدامات في إيران؛ مؤتمر في البرلمان البريطاني
في أروقة السياسات الدولية تتركز الاهتمامات غالبًا على برامج النظام النووية والصاروخية وعلى تهديداته الخارجية وضغوطه الإقليمية، بما في ذلك ما يتردّد في بريطانيا. ولا شكّ في أنّ هذه المخاوف في محلّها. لكنّ مأساةً أكبر تجري على أرض الواقع وتستحقّ أن تكون في صدارة الاهتمام الإنساني والأخلاقي: الإعدامات الممنهجة للسجناء السياسيين.
هكذا قالتها رئيسة المقاومة المنتخبة، السيدة مريم رجوي، خلال كلمتها في «مؤتمر ضرورة المساءلة الدولية لوقف الإعدامات في إيران» المنعقد في مجلس اللوردات ببريطانيا. وقد شارك في المؤتمر نواب من مجلس العموم واللوردات عن أحزاب مختلفة، وشخصيات سياسية، وشباب، وممثلو عائلات الضحايا، الذين شهدوا على مشهدٍ من القمع لا يهدأ.
تؤكّد رجوي أنّ «القفزة الصادمة في أعداد الإعدامات ليست أمراً قضائياً موضوعياً، بل قرار سياسي اتّخذه خامنئي بنفسه» بهدف «قطع الطريق على استئناف الانتفاضات وإبقاء النظام على قيد الحياة». وفي هذا السياق، تتبدّى آلة القمع على حقيقتها: ليست وسيلةً للعدالة، بل أداةٌ سياسية بحتة لبثّ الخوف وإخافة شعبٍ يصرّ على المطالبة بالحرية.
لم تكن هذه الكلمات منعزلة عن قراءةٍ أوسعَ لدى مسؤولين بريطانيين شاركوا في المؤتمر. قال اللورد بلينغهام، نائب وزير الخارجية البريطاني الأسبق، إنّنا «نقترب من نقطة تحول في إيران»، مشيراً إلى أن النظام صار يستعمل التعذيب والإعدام بوحشية، وهو، في قوله، دليلٌ على ضعفٍ عميقٍ في صفوف السلطة؛ إذ يلجأ المستبدّ إلى اليأس حين يتخلى عن الشرعية ويخشَى الناس. وبلغةٍ مماثلة، لاحظ اللورد كارلايل: «ما يبدو فاسداً يصدح برائحة الفساد ويقتل الناس» — ليس لأن إيران غارقة في الجرائم الفردية، بل لأنّ النظام ذاته فاسدٌ ومجرم.
من جهته، شدّد ستيف ماك كيـب على أنّ هدف الارتفاع في الإعدامات هو قمع المقاومة: «تصاعد أحكام الإعدام يتزامن مع ازدياد حراك المقاومة داخل إيران. كلما اشتدّ قمع النظام وازدادت الإعدامات، نمت المقاومة وتيقّنت قواها». وختم بأنّ سقوط هذا النظام لن يأتي بواسطة قوًى خارجية، بل بقرار الشعب الإيراني وبتضحيات مراكز المقاومة والشبان المنتفضين.
أمّا البارونة ردفِرن، فذكرت بدور المقاومة المنظمة وقيادتها النسائية التي شكّلت منبعَ أمل ليس لإيران فحسب، بل لكل من يقف مع كرامة الإنسان. ونبّهت إلى أنّ ثمّة الآن ١٧ سجينا سياسيا — شعراء ورياضيّون وطلاب ونشطاء — مهدّدون بالإعدام لمجرّد ارتباطٍ سياسيٍ أو انتسابٍ داعٍ للحرية. من بينهم محمد جواد وفائي ثاني، بطل شاب في الملاكمة أمضى خمس سنوات تحت وطأة التعذيب. خلف كلّ هذه الهمجية تكمن خوفٌ واحد: خوف النظام من الشعب، إذ إنّ الإعدام والتعذيب لم ينجحا في كسر عزيمة الإيرانيين.
في هذا الإطار طرحت رجوي أمام المؤتمر حجةً جوهرية: أنماط الردّ الدولي التقليدية تجاه برامج الأسلحة والضغوط الإقليمية لن تفلح في حلّ المشكلة الجذرية. الطريق الحقيقي لإيقاف البرنامج النووي والصاروخي، ولوقف آلة الإرهاب والقتل، هو دعم حقّ الشعب الإيراني في المقاومة والنضال من أجل إسقاط النظام القمعي. الحلّ الجذري ـ كما قالت ـ يكمن في الاعتراف بحقّ المقاومة الشعبية ومساندتها، خصوصًا لشباب الانتفاضة ووحدات المقاومة التي تمثّل صوت التغيير.
إنّ النقاش اليوم ليس فقط حول عقوبات ومفاوضات وتجاربٍ تقنية. هو نقاش عن العدالة والكرامة الإنسانية. على المجتمع الدولي، وعلى المسؤولين الحقوقيين والسياسيين الذين يدّعون التزامهم بالقيم العالمية، أن يضعوا حماية الحياة البشرية وحقوق السجناء والحقّ في المقاومة في صدارة أولوياتهم. فمواجهة آلة الإعدام في إيران لا تُعدّ خيارًا أخلاقيًا فحسب، بل ضرورة استراتيجية لمنع اتساع دوّامة العنف وعدم الاستقرار التي لن تقتصر آثارها على حدود إيران وحدها.
في الختام، لا يمكن لأيّ سياسةٍ تُجابه بها طهران أن تكون فعّالة ما لم تُدرك أنّ قمع الداخل واغتيال الأمل لا يحميان أحداً. إدانة الإعدامات، حماية النشطاء السياسيين، والاعتراف بحقّ الشعب الإيراني في مقاومته، هي خطوات لا غنى عنها لإرساء سبيلٍ نحو مستقبلٍ أكثر عدلاً وسلامًا.
إرسال التعليق