الإنفجار القادم

الإنفجار القادم

شهدت مصر منذ بداية السبعينات من القرن الماضي حراكا سياسيا قاده الرئيس الراحل أنور السادات عندما أطلق حرية تشكيل الأحزاب السياسية والتي بدأها بأحزاب اليمين والوسط واليسار ولم يقتصر الأمر على ذلك بل امتد إلى إطلاق سراح عناصر الإخوان المسلمين الذين اعتقلهم الزعيم الراحل عبد الناصر كما أفسح المجال لإصدار الصحف والتي شهدت هي الأخرى ازدهاراً في حرية التعبير وكنتيجة للانفتاح السياسي فلقد انعكس ذلك على الأوضاع الاقتصادية والتي شهدت انفتاحا اقتصاديا مما أتاح لرجال الأعمال إقامة العديد من المشروعات الاقتصادية فضلا عن تدفق الأموال الخارجية خاصة من المصريين العاملين في العراق ورغم الفوائد التي جنتها مصر من هذا الانفتاح إلا أن خفافيش الظلام لم يرق لهم تلك الأوضاع التي تتعارض مع مصالحهم في الاستئثار بالثورة وحجب الرأي الاخر وكانت البداية عندما ألقى السادات القبض على المئات من كافة الفئات من السياسيين ورجال الدين ورجال الفكر الذين عارضوا اتفاقية كامب ديفيد وظن السادات أن هذا الإجراء سوف يضمن له استقرار حكمه ولكن كان هذا الإجراء هو المسمار في نعش استمراره في الحكم فتم اغتياله وسط جنوده أثناء العرض العسكري الذي أقيم عام 1981 في ذكرى انتصارات أكتوبر وكان هذا الاغتيال بمثابة الدرس الذي يجب أن يتعلمه أي حاكم بعده ويبدوا أن الرئيس مبارك استوعب هذا الدرس في بداية حكمه فأفرج عن المعتقلين ونشطت الحياة الحزبية فضلا عن عودة صحف المعارضة إلى الظهور إلا أن هذا الوضع لم يستمر بعد ظهور الحرس الجديد برئاسة جمال مبارك وأحمد عز والذي شجع أرملة الرئيس مبارك إلى التدخل في الأوضاع السياسية ومحاولة توريث السلطة إلى جمال مبارك ومع صعود نجم جمال مبارك وتزايد الشائعات عن توريثه للسلطة أبدت المؤسسة العسكرية رفضها للتوريث وهو ما انعكس إلى عدم تدخلها في المظاهرات التي بدأت شرارتها في 15 يناير والمطالبة برحيل مبارك ولولا رغبة المؤسسة العسكرية في تنحية مبارك عن السلطة لما اكتملت تلك الثورة وابني اتسعت حتى تم إجبار مبارك عن التخلى عن السلطة وإجراء اول انتخابات رئاسية أفضت بتولي الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين لمنصب الرئاسة ورغم ذلك فإن جماعة الإخوان لم تستمر في السلطة لعدم خبرتها السياسية ومحاولة استأثارها بالسلطة فضلا أن المؤسسة العسكرية لم تكن تسمح لتيار مدني بالاستمرار في السلطة وقد تضافرت كل تلك العوامل في عودة المؤسسة العسكرية برئاسة الرئيس السيسي الى السلطة ورغم أحداث العنف و الاعتقالات للمعارضين خاصة من جماعة الإخوان إلا أن الشعب لم يجابه تلك الأحداث برد فعل عنيف رغبة في الاستقرار في ظل الخسائر التي تكبدتها مصر خلال تلك الأحداث وكان أمام الرئيس السيسي فرصة تاريخية لتصحيح الأوضاع وإقامة حكم ديمقراطي سليم إلا أن الأوضاع تدهورت مع مرور الوقت بعد تكبيل السيسي حرية الرأي واعتقال مئات المعارضين ومصادرة العديد من صحف المعارضة وبدلا من استعانة السيسي بالخبراء الاقتصاديين استعان بمجموعة من الوزراء لا يمتلكون الخبرة الكافية لوضع برنامج اقتصادي وسياسي لتصحيح الأوضاع وكان نتيجة هذا إغراق مصر في الديون والتي تجاوزت 165 مليار دولار وارتفعت أسعار السلع الأساسية والتي أثقلت كاهل الطبقة الكادحة فضلا عن إقامة مشروعات لم تستفيد منها سوى الطبقة الثرية التي نهبت أموال الدولة فضلا عن انهيار القطاعات الأساسية من صحة وتعليم وواجهت مصر ازمة المياه بعد أن أخطأت في التعامل في هذا الملف والذي أتاح لإثيوبيا التحكم في أمن مصر المائي واضطرت مصر إلى بيع أراضي ومنشآت حيوية لدول أخرى وعلى رأسها الامارات والمعروفة بعلاقاتها بإسرائيل كل هذه الأخطاء وأخطاء أخرى زادت من حدة الاحتقان لدى قطاعات واسعة من الشعب المصري ووضعت البلاد على شفا انفجار جديد سوف يقع لا محالة البوم أو غدا إذا لم يتدارك الرئيس السيسي حالة الانهيار الذي نعاني منه حاليا والذي سوف يضع البلاد على شفا منحنى مظلم يصعب تداركه خاصة في ظل التحديات الخارجية التي تواجه مصر .

مصطفى عمارة

إرسال التعليق