هل توقف خطة ترامب الحرب على غزة؟
الكاتب: سنية الحسيني
أُعطيت المفاوضات في شرم الشيخ مهلة زمنية محدودة لا تتعدى بضعة أيام لإنجاز المهمة، والتفاهم على وقف الحرب.
وهناك مؤشرات تؤكد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتابع المفاوضات عن كثب، ويريد التوصل إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن.
تدار المفاوضات في مدينة شرم الشيخ المصرية بوساطة أميركية ومصرية وقطرية وتركية، ووصل كل من المسؤولين الأميركيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر لمتابعة ذلك. ويشكّل القبول المتزامن من قبل الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس لخطة ترامب، المعلنة قبل أيام أننا أمام تطورات جديدة باتجاه وقف الحرب في غزة. ولكن ما الذي يميز خطة ترامب الأخيرة، التي طرحت مطلع الشهر الجاري عن غيرها من مبادرات وقف الحرب السابقة، ولماذا قد تكون هذه المبادرة الأكثر ترجيحاً لتحقيق النجاح؟
تغطي خطة ترامب الركائز المركزية الثلاث للحل والقائمة على التهدئة الدائمة، والإعمار الاقتصادي، والضمانات الأمنية الإقليمية والدولية.
ويقوم البعد الأمني على ترتيبات مراقبة مشتركة تضمن وقف إطلاق النار، ومنع تهريب السلاح، وتحديد دور الأجهزة الأمنية في غزة ضمن إطار فلسطيني موحّد بإشراف دولي.
وحسب صحف إسرائيلية، فإن معظم شروط المرحلة الأولى قد تم الاتفاق عليها، وبقيت خلافات حول جدول الانسحاب والإشراف على التنفيذ.
يحمل توقيت مبادرة ترامب لوقف الحرب على غزة وما يتعلق به من ظروف وتطورات سياسية مصاحبة فرصة لوقف الحرب أكبر من المحاولات العديدة السابقة، مع استمرار وجود التحديات والعقبات التي تقف في وجه تنفيذ الخطة.
إن إنجاز الهدف بوقف إطلاق النار في غزة يرتبط مباشرة بالإرادة السياسية، لدى ترامب ونتنياهو وحركة حماس.
رغم أن هناك تحفظات على خطة ترامب التي طرحها قبل أيام من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحركة حماس، إلا أن الطرفين قبلا بها فوراً، ويعد ذلك أول مؤشر إيجابي على رغبتهما في عدم إغضاب واشنطن.
ويعد حرص نتنياهو على استعادة المحتجزين، وهو البند الذي وضع على رأس بنود خطة ترامب، وأعطاه نتنياهو الأولوية لإنجاز الاتفاق، مؤشراً إيجابياً مهماً أيضاً. كما أن تصريحات نتنياهو بأن الخطة تلبي أهداف الحرب والإعلان عن الاستعداد للتنفيذ الفوري للمرحلة الأولى من الخطة بعد موافقة الحركة على إخراج المحتجزين، يدعم ذلك.
ورغم أن خطة انسحاب الاحتلال من غزة تشير إلى أنها ستكون على مراحل، إلا أن ارتباط تنفيذ ذلك بمراقبة دولية وضمانات أمنية، يساعد على تجاوز معضلة شك الحركة بالتنفيذ، والتي طالما عقدت في السابق الوصول لحل.
اشترط نتنياهو تحرير جميع المحتجزين في غزة، الأحياء منهم والأموات، معتبراً أن ذلك شرط مسبق لأي خطوة لاحقة في إطار تنفيذ بنود خطة ترامب العشرين، مؤكداً: «لن ننتقل إلى أي بند آخر قبل عودة آخر رهينة».
ولا يعد ذلك الشرط مشكلة في التنفيذ في إطار اتفاق مع حركة حماس، التي استعدت في السابق لتحقيق ذلك الشرط، طالما جاء في إطار اتفاق على البنود الأخرى.
ويرفض نتنياهو الإفراج عن قيادات فلسطينية بارزة، مثل مروان البرغوثي، والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات، بينما يقبل بإطلاق سراح ٢٥٠ أسيراً من أصحاب المؤبدات، وليس من المتوقع أن يشكل ذلك معضلة تعطل الوصول لاتفاق كامل، في ظل جسر عقبات في ملفات أشد تعقيداً تتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من غزة وإدارتها فلسطينياً.
وبعد أن كان نتنياهو يرفض بالمطلق تسليم السلطة الفلسطينية إدارة غزة، بات يضع شروطاً على القبول بذلك، رغم أنها تعجيزية، تتعلق بالقدس والضفة الغربية ومستقبل عملية السلام عموماً، وليس بغزة أو بإصلاح السلطة، وهو ما يبعدها عن السياق العام وعن الواقعية السياسية، ويرجح إمكانية تخليه عنها في الأيام القادمة.
هدد بن غفير وسموتريتش بمغادرة الحكومة إذا سمح الاتفاق ببقاء حماس في السلطة، وهو ما يعد تطوراً على مواقفهما السابقة، التي رفضت الانسحاب الإسرائيلي من غزة ووقف الحرب عموماً، بينما تتقاطع مطالبهما إلى حد ما مع موافقة الحركة على الانسحاب من إدارة غزة. وافقت حماس على المقترح الأميركي، مع التمسك بإجراء مشاورات وتوضيحات حول آلياته وبعض البنود، والتي تتمحور حول نزع السلاح الكامل وخطة الانسحاب ودور الإدارة الدولية.
.
لم تكن حركة حماس في السابق معطلاً لسريان أي اتفاق لوقف إطلاق النار، فطالما عرضت إطلاق سراح المحتجزين مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، واشترطت انسحاباً كاملاً لقوات الاحتلال من غزة، وأكدت على استعدادها للتخلي عن إدارة غزة.
وتطالب حماس في المفاوضات الجارية حالياً في شرم الشيخ، بإطلاق سراح قيادات بارزة فلسطينية مثل مروان البرغوثي وسعدات، في ظل موافقتها على شرط خطة ترامب بإطلاق سراح جميع المحتجزين في غزة خلال ٧٢ ساعة من سريان الاتفاق. وتتمسك حماس بضرورة وجود ضمانات لوقف القتال تماماً، وتشترط تراجع قوات الاحتلال فوراً وبشكل جزئي، بمجرد سريان الاتفاق إلى ما يسمى «الخط الأصفر» داخل غزة، في إطار خطة مجدولة وواضحة تحدد مراحل الانسحاب التدريجي. كما تشترط ضرورة إدخال فوري للمواد الغذائية ممثلة بـ ٤٠٠ شاحنة يومياً.
تتزايد المؤشرات التي ترجح تصاعد ضغط الولايات المتحدة على إسرائيل الآن لإنجاز صفقة لوقف الحرب، وقبول خطة ترامب.
وقد يرتبط طرح خطة ترامب بتوقيتها، الذي يتصل بالذكرى السنوية لأحداث السابع من أكتوبر قبل عامين، لما يُضفيه ذلك من زخم سياسي وإعلامي مهم ينشده ترامب بصفة شخصية، والذي يريد أن يظهر وكأنه المسؤول الأول عن هذا الإنجاز، ليسجل كجزء من إرثه السياسي.
ويرى بعض التحليلات السياسية أن إدارة ترامب تسعى لتحقيق دور أميركي فاعل في إعادة ترتيب الشرق الأوسط وترك بصمتها على النظام الإقليمي الجديد، خصوصاً في نزاعات مركزية مثل غزة.
ويعد ذلك الإنجاز مركزياً لدى ترامب، لأنه يدعم مركزه التنافسي أمام قوى النظام الدولي، وعلى رأسها الصين وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي. كما يشكل تصاعد ضغط الرأي العام الأميركي ووسائل الإعلام المؤثرة في الولايات المتحدة، التي تدعو صراحة لوضع حد للمعاناة في غزة، تأثيراً مهماً على تحرك الإدارة الأخير أيضاً.
وتظهر استطلاعات الرأي أن نسبة كبيرة من الشعب الأميركي، خصوصاً بين الشباب والديمقراطيين، تعتقد أن إسرائيل قد بالغت في حربها على غزة.
كما باتت وسائل إعلام أميركية مثل (CNN، New York Times) تُركّز على الجانب الإنساني للحرب في غزة، وتبرز صور الضحايا المدنيين والدمار، كما تركز على قضية المحتجزين فيها.
يأتي ذلك بالإضافة إلى تزايد تركيز وطرح الديمقراطيين التقدميين في الكونجرس لحدود الدعم الأميركي لإسرائيل، ما صعد توترات سياسية داخلية.
تشير صفحة البيت الأبيض الإلكترونية إلى»دعم عالمي» لخطة ترامب، في إطار ترويج رسمي لها، ما يشكل ضغطاً سياسياً ودبلوماسياً متصاعداً على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وخصوصاً الأخير.
وأفاد تقرير صادر عن Axios بأن ترامب غضب من نتنياهو عندما عبّر الأخير عن تحفظه على ردّ حماس على الخطة، بينما أكد التقرير أن ترامب اعتبر ردّ الحركة «نقطة انطلاق جيدة»، وأنه سيعمل على إقناع نتنياهو بألا يرفضها.
كما اعتبرت صحيفة «The Times of Israel” أن تحذير ترامب لحماس بأنها ستُدمّر إذا أصرت على البقاء في السلطة، يعد ضغطاً غير مباشر لإجبار إسرائيل على الامتثال لخطته.
وفي ذات السياق، أكد الرئيس التركي أن ترامب قد طلب من أنقرة المساعدة في إقناع حماس بخطته، ما يخلق إحراجاً لإسرائيل.
ويعكس طلب ترامب من إسرائيل «وقف القصف فوراً» في غزة بعد قبول الحركة للخطة، واقع تلك التطورات، والضغط الأميركي لوقف الحرب.
ويبدو أن إسرائيل قد استجابت للطلب الأميركي، فأعلنت تعليق هجومها على غزة، مع بقاء عدد من العمليات الأمنية موجودة، ويعد انخفاض عدد المصابين في غزة بشكل ملحوظ، منذ الإعلان عن تلك الخطة، مؤشراً على استجابة إسرائيل بشكل جزئي، وإن كان على استحياء.
يعلق نتنياهو بعد مرور عامين على حرب غزة بين ثلاث جبهات، تتنازع بين ضغوط دولية كبرى أميركية وأوروبية وأممية تطالبه بوقف الحرب، وتصاعد توجهات الرأي العام الإسرائيلي طردياً باتجاه وقف الحرب، وتهديد ائتلافه الحكومي اليميني بالانسحاب وإسقاط الحكومة إن بقيت حماس في السلطة بغزة.
وأمام نتنياهو ثلاثة خيارات: إما أن يواصل المماطلة في المفاوضات لكسب الوقت، مع موافقته على خطة ترامب، وهو الأسلوب المفضل لنتنياهو تاريخياً، إلا أن ذلك قد يتناقض مع توجهات ترامب، ويتسبب بتوتر لعلاقاته معه، وهو ما لا يريده نتنياهو خصوصاً الآن، في ظل عزله دولية تقف واشنطن وحدها في دعمه، أو أن يتبنّى خطة ترامب باعتبارها «انتصاراً سياسياً»، إلا أن ذلك قد يواجه برفض من قبل أعضاء ائتلافه الحكومي اليميني، وانسحابهم منه وسقوط الحكومة، أو أن يشكّل حكومة وحدة وطنية مؤقتة مع بيني غانتس أو يائير لابيد، لتأمين تمرير الخطة، وهو يقدم مخرجاً لنتنياهو من سلبيات الخيار السابق، ويقدم حلاً له لتجاوز سقوط الحكومة، وقد يكون ذلك الخيار الأكثر ترحيباً في واشنطن، إلا أنه لا يضمن بقاء حكومة نتنياهو لفترة طويلة، فقد يواجه بإسقاطها بعد الحرب.
ويبدو أن الكفة تميل لعدم إغضاب واشنطن وذلك بالموافقة على الخطة، إما بموافقة حكومته اليمينية أو بتشكيل حكومة تضمن تنفيذ الخطة، دون سقوطها.
قد يرى بعض المحللين أن نتنياهو يراهن على الخطة كاستراتيجية لاستعادة الدعم الخارجي وتقوية موقفه السياسي، إلا أن الالتزام بها قد يضعه تحت ضغط كبير داخلياً. في حين هناك مؤشرات أميركية، تشير إلى أن خطة ترامب الحالية تحمل أبعاداً تعكس إرادة ورغبة ومصلحة أميركية في وقف الحرب، وعدم وجود مصلحة إسرائيلية في خسارة واشنطن، في وقت تواجه فيه إسرائيل عزلة دولية، لا تخترقها إلا واشنطن.
بالتزامن، تتكبد إسرائيل تبعات مكلفة لاستمرار حرب استنزاف في غزة، وتواصل الاضطرابات السياسية الداخلية. كما لم يعد بالإمكان التبرير إسرائيلياً استمرار الوضع القائم في غزة، فالأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول الجنوب العالمي، تتعامل اليوم مع غزة بوصفها أزمة إنسانية كبرى لا يمكن احتواؤها بآليات المساعدات المؤقتة.
ويعد التنسيق بين واشنطن والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة شرطاً ضرورياً لتوفير ضمانات أمنية وسياسية ومالية ملزمة للطرفين، خصوصاً للطرف الفلسطيني، الذي يرتاب من طبيعة العلاقة الأميركية الإسرائيلية، والالتزامات تجاه إسرائيل. ويُعتبر موقف الاتحاد الأوروبي مهماً لتوفير غطاء دبلوماسي للخطة، خصوصاً لمواجهة رفض أعضاء حكومة نتنياهو اليمينية للخطة.
رغم وجود العديد من المؤشرات باقتراب الوصول إلى صفقة، إلا أن ملامحها النهائية لن تعرف إلا بعد الإعلان رسمياً عن الصفقة، كما تبقى هناك مخاطر جدية حول عدم التزام الجانب الإسرائيلي بتنفيذ بنودها بالشكل المطلوب.
إرسال التعليق