أصوات إيرانية في الأمم المتحدة: رفض لبزشكيان ودعوة للتحول الديمقراطي
في أجواء مشحونة بالتوترات الإقليمية والدولية، شهدت ساحة أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك واحدة من أضخم التظاهرات الإيرانية المنظمة في الخارج. آلاف الإيرانيين من أنصار المقاومة، إلى جانب أصدقاء من الجاليات العربية والدولية، رفعوا صوتهم عالياً ضد نظام ولاية الفقيه، تزامناً مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة.
هذه التظاهرة لم تكن حدثاً عادياً، بل محطة فارقة في الصراع بين شعب يتوق إلى الحرية ونظام يصرّ على القمع وتصدير الأزمات. المشاركون رفعوا صور ضحايا المجازر، وهتفوا بشعارات الحرية، مؤكدين أن بزشكيان لا يمثل الشعب الإيراني، وإنما هو واجهة جديدة لسلطة فقدت شرعيتها منذ زمن بعيد.
المنظمون يؤكدون أن هذه التظاهرة تجسيد لإرادة المقاومة الإيرانية التي قادتها السيدة مريم رجوي على مدى عقود، بطرحها البديل الديمقراطي المتمثل في خطة النقاط العشر، والتي تضمن فصل الدين عن الدولة، واحترام حقوق الإنسان، والتعايش السلمي مع الجيران. وعلى وقع هتافات «لا للملالي… نعم للحرية»، أعلن المشاركون تضامنهم مع انتفاضات الشعب الإيراني في الداخل، ومع ضحايا القمع والتعذيب والاعتقالات.
وقد تخللت التظاهرة كلمات لشخصيات سياسية وبرلمانية دولية، إضافة إلى ممثلي الجاليات الإيرانیة والحقوقية، الذين شددوا على ضرورة محاسبة النظام الإيراني على جرائمه في الداخل وتدخلاته المدمرة في الخارج. وكان من أبرز المتحدثين:
في بداية التظاهرة، قرأت السيدة سونا صمصامي، ممثلة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في الولايات المتحدة، رسالة من السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية، جاء في جزء منها:
“صمودكم أيها المواطنون، الذين تتجمعون هنا كل عام للتعبير عن الاحتجاج، هو في الواقع دعم للشباب المنتفض وصانعي الانتفاضة داخل إيران. هذا الصمود هو رأسمال الشعب الإيراني لتحقيق النصر. في حضوركم القوي أمام مقر الأمم المتحدة، يرى العالم أنكم تمثلون الشعب الإيراني؛ أنتم صوت الشعب الإيراني، وليس رئيس الجمهورية التابع لولي الفقيه الذي أعدم 1817 شخصًا خلال 14 شهرًا من رئاسته حتى الأمس.”
“نظام الملالي يعتبر السلاح النووي الضمان الاستراتيجي الوحيد لبقائه. إن حربه الرئيسية هي مع الشعب الإيراني. والتغيير والإسقاط سيتمان أيضًا على يد الشعب الإيراني. لا توجد خلايا نائمة. فـ”وحدات الإنتفاضة“ وشباب الانتفاضة هم أشد أبناء إيران المناضلين يقظة ووعيًا. إنهم الآمال الحية، والمجسدة، والمفعمة بالحيوية لشعب يتوق للحرية. لا نريد نظام الملالي ولا نظام الشاه. لقد انتهى زمن كل أنواع الديكتاتورية، سواء كانت دينية أو نظام الشاه.”
من جهته، أشاد السناتور سام براونباك (السناتور وحاكم ولاية كانزاس والسفير الأمريكي السابق للحریات الدینیة) بثبات الحاضرين قائلاً: “أنا معجب بصمودكم، بقوتكم، لقد بقيتم على موقفكم. لم تفقدوا الأمل”. وأكد أن “هذا النظام لم يفعل شيئاً سوى جلب البؤس للشعب الإيراني على مدار خمسة وأربعين عاماً”، مضيفاً أن “الوقت قد حان لتغيير النظام في طهران. لقد تجاوزنا الوقت المناسب لذلك”. ووصف الحركة بأنها “ثورة تقودها النساء وحركة يقودها الشباب من أجل التغيير”.
كما شددت السفيرة كارلا ساندز (السفيرة الأمريكية السابقة لدى الدنمارك) على أن “بزشكيان لا مكان له في الأمم المتحدة ولا يجب أن يُرحَّب به في نيويورك”، مطالبة بضرورة “محاكمة المرشد الأعلى علي خامنئي وجميع المتواطئين معه أمام محكمة دولية ومحاسبتهم على أربعة عقود من الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية”. وأضافت أن “الشعب الإيراني قد رفض بالفعل الشاه والملالي… لن يعودوا إلى الوراء، ولن يستبدلوا عمامة بتاج”، مؤكدة أن “هناك بديلاً حقيقياً، بديلاً ديمقراطياً، حركة منظمة”. وأشارت إلى أن “وحدات الإنتفاضة داخل إيران، وهم شباب وشابات شجعان تابعون لمنظمة مجاهدي خلق، يوسعون أنشطتهم في كل مدينة”، مؤكدة أن “هذا دليل حي على أن المقاومة ليست حية فقط، بل تحظى بدعم الشعب الإيراني”.
وأكد الجنرال تود ولترز (قائد حلف الناتو 2019-2022) أن النظام الإيراني “لا يمثل التطلعات الحقيقية للشعب الإيراني العظيم”، مشدداً على أن “لدينا بديل ديمقراطي واضح لهذا النظام غير الشرعي”. وأشار إلى أن “خطة مريم رجوي ذات النقاط العشر تمثل الكفاح من أجل حرية إيران وعدالتها وديمقراطيتها”، مؤكداً أن “الشعب الإيراني يستحق هذا التغيير ويستحقه في أقرب وقت”.
من جانبها، تحدثت ليندا تشافيز (المديرة السابقة لمكتب العلاقات العامة بالبيت الأبيض) قائلة إن “الوقت الذي كان فيه الملالي يحكمون بقبضة من حديد يقترب من نهايته”، مشيرة إلى أن النظام يقضي “وقتاً ومالاً وطاقة أكبر بكثير في اضطهاد مواطنيه بدلاً من جعل حياتهم أفضل”. وشددت على أن “التغيير الحقيقي سيأتي على أيدي الشعب الإيراني”، مؤكدة أن “الحل ليس في المفاوضات أو الانتخابات المزيفة، بل في إنهاء نظام الثيوقراطية والطغيان وإقامة إيران ديمقراطية وعلمانية وغير نووية”.
كما ألقى كلمة كل من أولكس تاران (رئيس جمعية سفيتا نوك)، والقس روبرتو، والقس آلان، والقس كراس، ومسلم أسكندر فيلابي (مسؤول لجنة الرياضة في المجلس الوطني للمقاومة، وبطل المصارعة الإيراني في الوزن الثقيل). كما ألقى عدد من ممثلي الجالية الشبابية الإيرانية في كندا كلمات أيضاً.
هذه التظاهرة، بما تحمله من رمزية وقوة حضور، توجه رسالة حاسمة إلى المجتمع الدولي: لم يعد مقبولاً منح الشرعية لنظام غارق في الإرهاب والجرائم ضد الإنسانية. بدلاً من الاستماع إلى خطاب بزشكيان من على منبر الأمم المتحدة، على العالم أن يصغي إلى أصوات آلاف الإيرانيين الذين يطالبون بالحرية والديمقراطية.
ختاماً، يمكن القول إن نيويورك اليوم لم تكن فقط ساحة للتظاهرات، بل مسرحاً لإعادة رسم معادلة الشرعية: نظام يترنح على وقع غضب شعبه، ومقاومة منظمة تثبت يوماً بعد يوم أنها البديل الحقيقي لإيران المستقبل.
إرسال التعليق