عن مساعي التطبيع بين السعودية و”إسرائيل”
د. سنية الحسيني
يحتدم التجاذب اليوم حول الرؤى التي تتنبأ بمدى امكانية تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودولة الاحتلال الاسرائيلي. ويميل هذا المقال لإثبات حجة عدم امكانية حدوث ذلك التطبيع، على الأقل آنياً في عهد الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، وإن كان هناك جانب استراتيجي أكثر عمقاً ينظّر لعدم احتمال حدوث ذلك التطبيع على المدى الأبعد، الا في ظل شروط محددة. في الفترة الأخيرة، تصاعد الحديث حول الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين المملكة و”إسرائيل”، بل ساد شعور أميركي متفائل بإمكانية حدوث ذلك خلال الفترة القريبة القادمة، أي قبل موعد الانتخابات الأميركية في شهر تشرين الثاني من العام القادم. كما أعلن بنيامين نتنياهو، بعد تشكيل حكومته، أن تطبيع العلاقات مع المملكة سيكون واحداً من أهداف حكومته المركزية، وتتجاذب الرؤى في “إسرائيل” حول شروط حدوث ذلك، في ظل الواقع الاسرائيلي الحالي. لكن السؤال المهم هل يعكس ذلك الشعور الأميركي المتفائل، والرغبة الاسرائيلية المعلنة، واقعاً قابل للتحقق، أم هو مجرد أمنيات؟
في تصريح لوزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن في مؤتمر منظمة “إيباك” اعتبر إن حدوث هذا التطبيع يعد جزءاً من الأمن القومي الأميركي. ولا تعد مساعي الادارة الأميركية الحالية باتجاه ذلك التطبيع الأولى، فقد جاءت محاولة سابقة في شهر أيار من العام الماضي، مع حكومة بينيت- لبيد. وحققت تلك المحاولة بعض الانفتاح بين البلدين، ارتبط بفتح الأجواء السعودية للطيران المدني الاسرائيلي، الا أن ذلك اقترن أيضاً بتأكيد سعودي بأن ذلك الانفتاح لا تقع ضمن أي شواهد للتطبيع أو التمهيد له. وسبقت هذه المحاولة الأميركية أخرى في عهد ادارة دونالد ترامب، خلال عقده لصفقات اتفاقيات أبراهام في العام ٢٠٢٠، والتي أصرت فيها المملكة على حل للصراع العربي الاسرائيلي في إطار معاهدة السلام العربية، التي طرحتها المملكة عام ٢٠٠٢، والتي تشترط حل الصراع مع الفلسطينيين قبل التطبيع مع العرب.
رغم اشارة عدد من التقارير الاعلامية إلى وجود اتصالات تجارية وأمنية مباشرة بين السعودية و”إسرائيل”، الا أنه ليس هناك دلائل تؤكدها، بل إن قبول المملكة بالسماح للطيران الاسرائيلى بالمرور في سمائها، جاء في اطار تبعات تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير لها، واللتين تقعان ضمن الاعتبارات الأمنية لإتفاقية السلام بين مصر و”إسرائيل”. وبمرور سريع على شروط المملكة اليوم، والتي جرى تداولها، لتحقيق التطبيع الذي تنشده اداره بايدن، فهي تتمحور حول: بناء مفاعل نووي مدني في المملكة بمساعدة الولايات المتحدة؛ توقيع الولايات المتحدة على اتفاقية دفاع مشترك مع المملكة على غرار الناتو، تضمن تعهد أميركي بحمايتها والدفاع عنها، في حال حدوث أي هجوم عليها؛ وصول المملكة إلى الأنظمة الدفاعية العسكرية التكنولوجية عالية التطور، الموجودة بالفعل بين أعضاء حلف الناتو؛ حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وفق مبادرة السلام العربية التي طرحتها المملكة لعام ٢٠٠٢.
تبدو جميع تلك شروط تعجيزية، غير قابلة للتحقق، على الأقل في عهد بايدن. فاتفاقية من هذا النوع، تتعلق بقضايا ترتبط بقرارات عسكرية أميركية تحتاج للاقرار من قبل مجلس الشيوخ وبموافقة الثلثين، هو أمر مستبعد، خصوصاً في ظل رفض أميركي رسمي معلن، وكذلك إسرائيلي لحصول المملكة على القوة النووية السلمية، والوصول لمنظومة الابتكار التكنولوجي العسكري الأميركي المتطورة. كما أنه يعد من المستبعد الحصول على موافقة تشريعية من مجلس الشيوخ تتعلق بتعهدات أميركية بالدفاع عن المملكة، وهو الأمر الذي سعت الادارات الأميركية الثلاث الأخيرة للتحلل منه، وفق استراتيجية وممارسة واضحة. وأما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فمن المستعبد تحقيق التطبيع، في ظل حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، وتوجه المملكة لترسيخ مكانتها القيادية في المنطقة، في ظل تغيرات بنيوية في النظام الدولي، لا تتصدر فيه الولايات المتحدة المشهد السياسي وحدها، الأمر الذي يقلل من أهمية “إسرائيل” بالنسبة للمملكة في اطار تلك المعادلة. وحسب تقرير في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، أكد العاهل السعودي خلال اجتماعه مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، أن أي اتفاق تطبيع يجب أن يتضمن خطوات إسرائيلية واضحة تجاه الفلسطينيين. كما أكدت السفارة السعودية في واشنطن ذلك أيضاً مشددة على أن التطبيع لن يكون ممكنًا إلا إذا تم التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ويمكن للمملكة العودة لنتائج اتفاقية التطبيع بين دولة الاحتلال ودولة الامارات العربية المتحدة، كمؤشر لجدوى الدخول في اتفاقية مشابهة. فرغم تحقيق مكاسب تجارية للامارات المتحدة، الا أن “إسرائيل” لا تمتلك ميزة تجارية فريدة، لا تمتلكها شركات تجارية أخرى، في ظل عدم التزام “إسرائيل” تجاه الفلسطينيين واحراج الحكومة الاماراتية أكثر من مرة، واضطرارها لانتقاد وادانة سياسة الاحتلال تجاه الفلسطينيين. كما لم تحصل الامارات على طائرات إف ٣٥، التي تعهدت بها الولايات المتحدة كمكافئة لها مقابل التطبيع. ويظهر استطلاعاً للرأي أجرى مؤخراً من قبل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، المقرب من اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، تراجع الدعم الشعبي الاماراتي لاتفاقات أبراهام، فبات حوالي ثلاثة أرباع الامارتيين المستطلع رأيهم، يعتبرون التطبيع مع حكومة الاحتلال في ظل استمراره في فلسطين أمر سلبياً. وفي المملكة اعتبر أربعة أخماس المستطلعين السعوديين ذلك سلبياً. وحتى وإن رغبت المملكة مجازاً بتطبيع علاقتها مع “إسرائيل”، فالمملكة لن تختار ادارة بايدن على وجه التحديد لمنحها هذه المكافئة قبل الانتخابات، كرد على سياستها العدائية ضد ولي العهد السعودي. وتؤكد التحليلات الأميركية المختلفة ميل النظام السعودي تجاه الادارات الأميركية الجمهورية، خصوصاً إدارة ترامب، بعد أن رسخت الادارات الديمقراطية حالة من التوتر مع المملكة، بدءاً بعهد أوباما والاتفاقية ا
إرسال التعليق